ألعاب الجوع و ع%زة

Reposted from Hosam ElDin https://www.facebook.com/hosam.eldin.520

March 21 2024

hunger games الفكرة الذكية في عالم

السينمائي هي أنه لا يُمكنك قتل الجميع بالقسوة والرصاص إنما بوضعهم في مواجهة مرآة تؤطر عجزه،

يُمكنك فعل ذلك فقط عبر صُنع جحيم مُصغر في مساحة محدودة، وتأطير عجز الجميع عن التدخل لوقفه.

___

في ألعاب الجوع يُجبر سكان المُقاطعات على رؤية أبنائهم يقتلوا بعضهم لأجل النجاة، تؤطر السُلطة عبر فكرة الألعاب الكابوسية أن الطريقة الوحيدة للنجاة فردية لأن التعاون يُضعف فرص النجاة، وكذلك مُخزية لأن النجاة رهينة قتل أشباهك، ودنيئة لأن النجاة لا تعني الخلاص إنما تحولك من حيوان ناجي في لعبة مُسلية لمُشاهد عن بعد لها.

___

يحرص القائمون على ألعاب الجوع على تحويلها إلى سيرك إعلامي لابد أن يراه كل فرد في المُقاطعات، ليصل له عجزه مُتلفزًا، ليتأكد أن نجاته ستكون فردية، مُخزية، دنيئة، ليُجبر طوال الوقت ألا يشيح النظر عن تلك الحقائق، أنه ناجي بخوفه وأن حظوظه عشوائية وهشة هشاشة حجر النرد والقرعة التي تختار ضحايا الألعاب من مُشاهديها.

___

المُثير أن «سوزان كولينز» جاءتها فكرة هذا العالم من ليلة مؤرقة كانت تتنقل فيها بريموت الكنترول بين قنوات اخبارية تعرض مشاهد متلفزة من حرب العراق.

___

لم تتخيل «كولينز» مهما شطح خيالها أن بعد سنوات من تلك الديستوبيا السينمائية، سيظهر للواقع مسلخ بشري من صُنع الإنسان، مساحته 140 ميل مُربع، تلقى في شهور أكثر من 65 ألف طن مُتفجرات، بما يُعادل قوة قنبلة هيروشيما ثلاث مرات، وكل سُكانه يعيشوا ألعاب كابوسية للنجاة اليومية ومن ينجو من نيران المسلخ لن ينجو من الجوع، والناجي من الجوع سيختنق بحبال مظلة المساعدات. للموت صور شتى، بنفس تسلية وسادية الألعاب الرومانية وعالم ألعاب الجوع.

___

الموت في المسلخ لا يُنقل ببطء عبر وكالات عالمية مثل حرب العراق، إنما كل ضحية تمتلك هاتف وكاميرا توثق هلاكها السريع بصاروخ، أو البطيء بالجوع.

___

ع%زة جرح دامي يمتلك نفس التأثير السيكولوجي المُدمر لعالم ألعاب الجوع، خزي مُتلفز يحفر بحضوره ندوب في نفس كل من يُشاهده.

المُثير أن سُكان هذا المسلخ أكثر نُبلًا من ضحايا أوليمبياد الجوع، لا يخضعوا لشروط اللعبة، يُقاوموا للنجاة بكل الطرق الجمعية. يُنفذوا بإخلاص المخرج الأدبي الذي اختارته «سوزان كولينز» لتدمير عالم ألعاب الجوع، بخلق حالة مٌقاومة وتضامن جمعي لكل ضحايا الحلبة.

____

لذلك تحولت مساحة محدودة مُصممة بعناية كجحيم حداثي، كعبرة لكل من يُفكر في تغيير نظام العالم إلى المساحة الوحيدة المُلهمة لتغيير العالم. في لحظة بعينها يظهر اللاعبين المُحاصرين في اللعبة باعتبارهم الأحرار الوحيدين في عالمهم بينما كل من يشاهدهم مُقيد ومؤطر بعجزه.

هذا تحول لا يُغتفر، تحول يُحتم تدمير هذا المكان عن بكرة أبيه وتحويله إلى ذكرى مُروعة، لأنه تحول من عبرة إلى إلهام لا يُمكن التحكم في سحره وتأثيراته.

___

تُحطم ع$زة كل الأوهام اللازمة للعيش التي نتفلت بها من العجز، تُخبرنا بفجاجة قاسية أن نجاتنا فردية، مُخزية، أساسها هش وحظوظها حظوظ ألعاب النرد، أننا فقط ولدنا في بُقعة أبعد كيلومترات قليلة من هذا المسلخ.

___

كل الوجوه في مقاطع ع$زة تُشبهنا، أمهات يُشبهوننا، أطفال يُشبهوننا، رجال يُشبهوننا، التماهي كامل، والتماثل مُثير للجنون، تحرص «سوزان كولينز» في رواياتها على إبراز هذا التماثل بين المُتفرجين وضحايا الحلبة، ليوقن المُتفرجون أن مصيرهم ليس بأيديهم أبدًا. أن كل وجوه المذبحة مرايا لوجوههم، وأنهم لا يملكوا شيئًا لوقفها، خزي لا تحتاج معه شيء آخر سوى أن تتركه يأكل صاحبه ببطء.

___

المُخيف أن ع$زة في النهاية ليست تحقق لمجاز سينمائي، ولا أبطالها وسُكانها ضامنون للخلود في السينما بالنجاة أو بالبطولة المُمجدة، والرحمة ليست هوليوودية تأتي على عجل خوفًا من ملل الجمهور، ع%زة هجرت كل صور المجاز منذ وقت طويل. نحن من نحيا في المجاز والكتابة منذ وقت طويل هلعًا من أن ننظر إلى عجزنا في المرايا.

***

Profile photo of Hosam: Faith is 24 hours of doubt and one minute of hope ” the innocents”